حوار الطلبة



2020-05-16
1389

بيت فلسطين المهجور

الصَّحفي الصَّغير - كتب أحمد حسن الزعبي- عندما حاول الصيف أن يخرج من غمد الربيع..هُزمنا وأسموها "نكبة"..

كان ذلك قبل اثنتين وسبعين سنة...بعضهم خرج من بيته تاركاً ملابس أطفاله، ودخانه وعجنة المساء في مكانها وتعمّد إبقاء الراديو اليدوي، يبث أخباراً حتى يبقى "ونس" الحياة في المنزل، كان يعتقد أنه سيعود بعد يوم أو يومين..لكن يوم العرب طويل ،والوعد ملهاة..والانتقام كلام..

في البيت المهجور فار العجين من معجن الحجّة ، نافورة تدمع خبزاً نيئاً ، و غلظ صوت مذيع الأخبار وتباطأ بسبب ضعف البطاريات ، وصار كلامه غير مفهوم والنشرة مجرّد تأوهات ، ثم ترنّح الصوت وغاب،

في الشهر الثاني سال "الكربون" من مؤخرة الراديو، وصار البيت مطحنة للصمت والغياب..

مرّت سنوات..سكنت العناكب راديو الأخبار،وصارت هي من تحرّر النشرة ، وقضمت الفئران ملابس الأولاد ،وكسر شباك البيت برصاصة كان الدلف ينزل على أرض الغرفة المهجورة ، والعتمة الدائمة تترك رائحة مضاعفة للرطوبة...وحلم العودة يزداد غباشاً.. هناك في الخيمة كان يقول الحج "لو جبنا الراديو"..أو "ع القليلة طحيناتنا ولبسة الاولاد"..

كان يقولها وكأن هذه المقتنيات آخر ما يجمعه بفلسطين ، كان يسمع عن اجتماعات عربية عالية المستوى وكان يسمع الشجب والإدانة لكنه لم يكن يسمع الا قلبه الموجوع...

هو يعرف ذلك قبل النكبة بأيام بحدس الطاعن بالأوجاع..عندما سقطت ابنته هاجر على ركبيتها وبيدها "صاع السمسم" وتناثرت البذور في الأرض.."قال الله يستر"..وعرف انهم سينتشرون في الأرض كتلك الحبات ...

في البيت المهجور ، ماء الدلف كان ينبت حبة قمح في العتمة ، السنبلة كانت تكبر ثم ترمي حبّها في الصيف التالي ،فيأتي الشتاء ويرويها ثانية من ماء الدلف..حتى صارت غابة قمح في بيت الطين دون ان يفتح باب البيت المهجور أحد..

لو كنت مخلوقا قبل سبعين سنة..لما أسميتها نكبة...لأسميتها "الصاع صاعين"..الاسم نصف الهزيمة ونصف العزيمة ..من يرضى أن يمضغ اسم هزيمته يتقبّلها..ومن يستنهض عزيمته يزرعها كشجرة سنديان في رأسه..الأرض لا تموت ولا البذور أيضاَ..والصاع الذي سقط من يد هاجر سيرّد بصاعين وأكثر...


وشاهد ايضاً